بقلم حسن علي

ترجمة : يوسف عوض

صناعة الجلود من أقدم الصناعات التي عرفها اإلنسان حيث استفاد اإلنسان من جلود الحيوانات التي كان
يتغذى على لحومها أو الحيوانات الميتة األخرى, وصنع منها ألبسة و أحذية تحميه من البرد وقسوة الطبيعة،
وفي العصور الحديثة توسع اإلنسان في صناعة الجلود فصنع منها األحذية والحقائب واألحزمة والكثير من
المستلزمات التي يحتاجها في ممارساته اليومية

ويمكن أن نعرف الصناعات الجلدية “أنها جميع المنتجات
التي تصنع من خامة الجلد سواء طبيعي او صناعي، وتشمل المالبس الجلدية واألحذية والحقائب والمفروشات
الجلدية واألشغال الفنية وغيرها ”.
1
وقد برع التدمريون بالمصنوعات الجلدية منذ القدم و األحذية الجلدية
المكتشفة في المدافن التدمرية والتي كانت معروضة في متحف تدمر تمثل دليال دامغا على براعتهم , وتوارث
التدمريون هذه المهنة عبر التاريخ وظلت رائجة بتدمر حتى حصل النزوح الكبير لسكان تدمر عام 2015 إثر
غزو داعش للمدينة .

ويتحدث حول هذه المهنة السيد طارق السكاف)كنيته مشتقة عن مهنة اإلسكافي أي صانع
األحذية(, 52 عام , صانع أحذية وحقائب جلدية من تدمر, يقول:”اعتمد أجدادنا على جلود الحيوانات المحلية
من األغنام واألبل أو استيراد جلود األبقار لصناعة األحذية والحقائب واألدوات الجلدية الكثيرة و أشهر هذه
المصنوعات :

  • األحذية كالشاروخ )النعول( لالستخدام الخارجي
  • البابوج لالستخدام المنزلي خصيصا في
    الشتاء
  • الصندل لالستخدام في الفصل الدافئ
  • , والخف للاستخدام في الفصل البارد
  • , وإنتاج الجود أو الظرف :
    وعاء من الجلد يعبأ به الماء او اللبن لدى البدو
  • .كذلك إنتاج الحقائب ومنها الرجالية والنسائية وراحلة
    الحيوانات لحمل زوادة الراعي
  • وحذوة الحصان التي كانت إما من الجلد أو المعدن”.

كذلك السيد وضاح الأحمد 45, عاما من تدمر صانع أحذية ومنتجات جلدية يتحدث حول مهنة صناعة
الأحذية والمنتجات الجلدية في تدمر:” ورثت هذه المهنة عن أبي والذي بدوره ورثها عن أجداده فهي مهنة
تعود لمئات السنين في تدمر وكان دكاني في السوق الجنوبي الذي يعرف بالسوق التحتاني أو سوق الشرقيات
وكانت ورشة العمل ضمن دكان البيع. أشهر أنواع الجلود التي نعمل بها هي جلد غنم العواس التي كانت تصنع
محليا في تدمر مع استيراد أنواع من الجلود الأخرى مثل جلود الأبقار وجلود الأبل. كانت أهم المشغولات التي
ننتجها في تدمر هي

  • األحذية التدمرية وأشهرها الشاروخ التقليدي التدمري والذي يتميز بغطاء جلدي ألصبع
    القدم الكبيرة وغطاء أخرى لباقي أصابع القدم مع وجه القدم، مثبتة على النعل المصنع من طبقات من جلد غنم
    العواس ليكون مريحا في السير،
  • والكالش التدمري الذي يأتي غطس قطعتين على شكل × تغطي األصابع مع
    مشط القدم مرتبطة بالنعل،
  • وكنا ننتج الخف النسائي والرجالي والكالش النسائي المشابه للطراز التدمري
    القديم.
  • كذلك ننتج الحقائب الجلدية للرجال وللنساء، وقد كانت موديالت الحقائب للرجال والنساء متشابهة يتم
    تمييزها من خالل إضافة تطريزات بخيط السريد المصنع محليا من أمعاء غنم العواس على حواف الحقيبة
    النسائية أما الحقيبة الرجالية فتترك سادة عادة.
  • كما ننتج العدل الذي يوضع على ظهر الحصان والحمار لتسهيل
    الركوب عليه،
  • كذلك ننتج الزنارات والكمرات ومجاند األسلحة التي يتحزم بها الصيادين وغيرها الكثير.

في
بلد النزوح تركيا طورت كثيرا على مهنتي من خالل استخدام أدوات ومواد وآالت جديدة تدربت عل
استخدامها هنا لم نكن نستخدمها في تدمر، كذلك أضفت الكثير من الموديالت الجديدة من األحذية ومن الحقائب
فمثال أصبحنا نصنع حقائب لألجهزة اإللكترونية مثل حقائب للمحمول وحقائب للتابليت ونصنع الجزادين
الرجالية والنسائية مع إضافة نقشات وزخرفات حديثة إما يدوية أو بواسطة ماكينة ليزرية. كذلك أضفنا فكرة
تلميع الجلود بالكريمات.”

“كنا نعمل بأدوات بسيطة مشغولة يدويا بتدمر لدى الحدادين مثل المقصات والمشارط أو المخارز التي كنا
نوصي عليها حسب المقاسات التي نحتاجها, كذلك المدقات) مفردها مدقة وهي المطرقة( والسندان كانت تصنع
لدى الحدادين من النحاس,

  • كذلك كان لدينا جلخ يعمل يدويا قبل ظهور الجلخ الكهربائي , أما ماكينة خياطة
    الجلد كنا نحضرها من معامل حلب او دمشق
  • ,وخيط الخرازة الذي يسمى خيط السريد كان أيضا يصنع محليا
    في تدمر من أمعاء األغنام نحن كنا نطريه بالشمع العسلي ويصبح جاهزا للعمل,
  • السندان (السندان): يصنعه الحدادون المحليون من النحاس، ويستخدم كقاعدة لمختلف مهام صناعة الجلود.
  • عجلة الطحن اليدوية (جلاخ): قبل أن تصبح عجلات الطحن الكهربائية شائعة، كنا نستخدم عجلات يدوية لتنعيم وتشكيل حواف الجلد.
  • آلات الخياطة للجلود: كنا في بعض الأحيان نحصل على آلات خياطة مصممة خصيصًا للأعمال الجلدية من ورش العمل في حلب أو دمشق.
  • التطريز بخيط الحرير (خيط الخرازة): هذا الخيط المعروف بخيط الصريد كان ينتج محلياً في تدمر من أمعاء الغنم، وقد عالجناه بشمع العسل لتجهيزه للعمل.

للعمل, وعندما أتيت إلى هنا
)الريحانية في تركيا( وجدت في األسواق معدات وأدوات جاهزة و أكثر تطورا من األدوات التي كانت في
تدمر . هذه المعدات سرعت في اإلنتاج وأضافت جودة على المشغوالت، كما أن وسائل التواصل ومحركات
البحث على اإلنترنت ساعدتني في التعرف على أصناف وتصميمات جديدة بدأت أضيفها إلى مهنتي.

يعتبر الدخل الناتج عن هذه المهنة مرضي إلى حد ما في حال توفر سوق االستهالك لهذه المشغوالت. وحاليا
أقوم ببيع معظم المشغوالت إلى األسواق الخارجية مثل دول غرب أوربا ودول شرق آسيا.

بالنسبة لتدريب األجيال الجديدة على هذه المهنة، حاليا لدي 4 متدربين، ثالثة منهم من ذوي االحتياجات
الخاصة يحضرون بشكل يومي للتعلم وأتمنى أن أنقل هذه المهنة إلى أوسع نطاق من شريحة الشباب بغرض
الحفاظ عليها ومنعها من االندثار.

أهم التحديات التي نواجهها في هذه المهنة هي توفير المادة الخام الالزمة من الجلود حيث كنا نجد طلبنا من
الجلود الالزمة في أسواق أنطاكيا، ولكن بعد أن تهدمت أنطاكيا بفعل الزالزل المدمر الذي لحق بها في السادس
من شباط عام 2023 لم تعد الجلود متوفرة هناك فقمت بجولة لعدة أيام إلى عدة مدن تركيا بحثا عن المواد
الخام من الجلود وبعد عناء وجدنا طلبنا في أسواق إسطنبول، ولكن بسعر مرتفع أضف إلى ذلك تكاليف الشحن
الباهظة من إسطنبول إلى الريحانية.

أتمنى أن يستمر دعم هذا المشروع ودعم المشاريع األخرى للمهن التقليدية من أجل أن نعلم األجيال القادمة
على هذه المهنة كي ال تندثر.”

الصور

.1 صورة قطعة جلدية من غنم العواس من غنم العواس بعد المعالجة ,

.2 صورة حذاء تدمري قديم , من قبل حسن علي

.3 صورة لصانع الجلديات

.4 صورة حقيبة تدمرية تقليدية

.5 صورة حذاء تدمري تقليدي

Leave a comment