بقلم : حسن علي
ترجمة : يوسف عوض
الدباغة هي عملية تحويل جلد الحيوان بعد سلخه وتنظيفه إلى المنتج المفيد إما من نوع الجلد الأملس أو الجلد
ذو الفرو الناعم. وعملية الدباغة تحفظ الجلد من التعفن وتعطيه مرونة ومتانة. معظم الحيوانات تعد مصدرا
للجلود لكن الماشية بشكل عام المصدر الرئيسي للجلود. تمثل جلود الأغنام مصدرا مهما للجلود في سوريا
والكثير من البلدان. وهي ذات استخدام واسع النطاق. تستخدم الجلود المدبوغة في صناعه الحقائب والأحذية
والأحزمة والقفازات والمعاطف والقبعات وكرات اللعب وسروج الماشية إضافة إلى منتجات أخرى عديدة.
ويتميز الجلد المدبوغ بمقاومته الميكانيكية العالية ودرجة تحمله الكبيرة.
دباغة الجلود هي صناعة تقليدية تشتهر بها سورية حيث يوجد ما يزيد 280 دباغة أغلبها في دمشق وحلب
وحماه ويتواجد في تدمر بعض الدباغات التقليدية التي تعتمد على الطرق البدائية في الدباغة تخدم دباغة
الجلود في سورية قطاعات صناعية متنوعة وقد شهدت تطوراً واضحا في بداية القرن العشرين عندما بدأ ً
بدلا من الملونات النباتية. وقد نشأت الدباغات في سورية قرب سواقي استخدام أمالح الكروم والمواد الملونة
المياه في مدينتي دمشق وحلب ويمارسها غالبا الرجال. ً
والدباغة في اللغة هي إصلاح الجلد وتلوينه وفي الإنجليزية القديمة جاء مصطلح tanning أي صبغ الجلد
باللون الأسمر عن طريق نقعه بمادة التانين المستخرجة من مسحوق لحاء البلوط.
تتشابه طرق دبغ الجلود بشتى مصادرها مع بعض الاختلافات ويتحدث المهني بدباغة الجلود من مدينة تدمر
السيد خالد جابر عن إعداد الجلود الخام ويقول السيد خالد
:” مهنة دباغة جلود الأغنام وخصوصا أغنام
العواس تعلمتها من والدي ووالدي عن جدي، وهي مهنة قديمة جدا بتدمر. وأهم مستلزمات العمل التي
تحتاجها هذه المهنة هي مكان العمل لغسل ونشر الجلود، والحصول على جلود الأغنام الطازجة من المذابح
والمسالخ وهي متوفرة هنا في تركيا بشكل كبير.
آلية العمل بدباغة الجلود تبدأ بإحضار الجلود إلى مكان العمل ثم نقوم بتمليحها بمادة ملح الطعام الطبيعي
ونطويه بالملح إلى اليوم التالي، ثم نقوم بفرش الجلد تحت أشعة الشمس ليجف من جانبيه العلوي والسفلي
ويصبح قاسيا، ثم يتم نقعه بالماء لمدة 4 إلى 5 ساعات ليعود طريا مثل ما كان سابقا. ثم نحضر أدوات الغسيل
وهي “الدهاس” أداة معدنية تشبه مقود الدراجة لها شفرة بالطرف السفلي ومسكات من الأعلى للتحكم بالشفرة
التي تعمل على إزالة الصوف عن الجلد, أيضا نستخدم مواد التنظيف المنزلية في عملية الغسيل خصوصا
مسحوق الغسالة أو معجون غسل الصحون, ويتم غسل الجلد حتى ينظف ويصبح لونه أبيض, ثم يعاد غسله
بماء صافي ثم يعاد تمليحه بالملح مع الشبة التي تحافظ على الصوف وتوقف تفتته , ثم يعاد تجفيفه تحت أشعة
الشمس حتى يجف تماما , ثم يعاد تليينه بالماء باستخدام أداة معدنية تسمى “الدنق” ويصبح طريا , وبذلك
يسهل عملية البشر والحك للطبقات العليا من الجلد )الكشط( باستخدام مكشط يسمى بالعامية “القزق” , وتستمر عملية الكشط حتى نحصل على جلد وصوف ذو لون أبيض بعد ذلك يجفف تحت أشعة الشمس ويمكن أن تعاد
عملية الترطيب والكشط حتى نحصل على قطعة جاهزة ذات جلد طري عليه طبقة خفيفة من الصوف تسمى”
الجاعد”. وهو الذي يستخدم لتصنيع المالبس مثل الفروة واإلبطية )مالبس تقليدية لدى سكان تدمر والبادية
السورية(.
عملية الحصول على جلد الجاعد تحتاج من 10 إلى 15 يوم. أما بالنسبة لطريقة الحصول على جلد الشكوة )او
الجود أو الظرف حيث تختلف تسميته وفقا لوظيفة االستخدام( فهي طريقة مختلفة بعض الشيء عن الجاعد,
نحضر جلد طازج من المسلخ )يتم سلخه غالبا دون فتحه من عند البطن والصدر(، ويتم دهن الوجه الداخلي
بالطحين والماء الساخن بهدف نتف الصوف وتقشيره تماما ليصبح أملس، ثم نغسله جيدا ثم يتم دهنه بالملح
ودباغ الرمان )قشر ثمار الرمان التي تستخدم بعملية الدباغة للمعالجة وإعطاء لون للجلد( يجب ان يكون
الرمان حامضا ليعطي مفعوال قويا ويثبت بالصبغ. ثم يتم تخييط الشكوة بإحكام بحيث ال يمكن أن يخرج منه
الهواء )أو السوائل التي ستوضع فيه الحقا(. وعملية الحصول على جلد الشكوة تحتاج إلى أسبوع، ونميز
الشكوة عن الجود )قربة الماء( حيث أن الشكوة يكون اتجاه الجلد الخارجي الذي يحمل زغب الصوف للداخل
لتسهيل عملية فرز الزبدة عن الحليب أما جود الماء يكون اتجاه زغب الصوف من الخارج والوجه االملس
للداخل. ويصنع من الجلد األملس غير الشكوة والجود الحقائب والجزادين أو يستخدم كوجه لآلالت الموسيقية
التقليدية مثل الطبل والمزهر والربابة”.
ويضيف خالد:” الدخل من دباغة الجلود يدويا غير مرضي، أما اآلالت والمواد الحديثة فقد سرعت من عملية
اإلنتاج. ولم يتبقى في تدمر وحتى في المدن السورية إال القليل من المهنيين الذين يعملون في الدباغة التقليدية
حيث بدأت تندثر هذه المهنة، وخف الطلب على منتجاتها وتحول معظم الدباغين التقليدين إلى مهن أخرى
وأصبحت مهنة الدباغة التقليدية فقط كمهنة تراثية.
ويضيف الباحث: إن هذه المهنة تشكل رافد هام من روافد التراث الغير المادي في تدمر خاصة وسوريا عامة.
وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية المستدامة والنشاطات االقتصادية مثل تربية الماشية والتجارة والصناعات
الجلدية، كما ارتبطت الدباغة
حديثا بشؤون البيئة ومسألة الحفاظ عليها والمشكالت الناجمة عن حجم النفايات ً
الناتجة عنها وضرورة معالجتها.