رحلة رعي أغنام العواس والطقوس المرتبطة بها
كان البدو الذين يسكون البادية التدمرية كغيرهم من بدو المنطقة العربية يمارسون نظام الحمى التقليدي (الحمى أو Hima هو نظام تقليدي لإدارة المراعي يتم من خلاله تخصيص الأراضي والموارد الرئيسية جانبًا حتى تتمكن المجتمعات من الحفاظ عليها وتنظيم استخدامها)الذي يحمي المراعي من التدهور، بالإضافة إلى ذلك، التزمت جميع القبائل بقانون العرف أو القانون الشفهي التقليدي الذي يحكم حقوق الانتفاع بالرعي والمياه. وفي أعقاب الأحداث السياسية التي شهدتها المنطقة وخصوصا استقلال الدولة السورية عام 1946 م، اقتصرت حركة البدو مع مواشيهم تدريجياً على الأراضي السورية فقط. وخلال القرن العشرين والوقت الحاضر عموما ازدهرت تدمر وباديتها بتربية أغنام العواس بالإضافة إلى المواشي الأخرى كالجمال والماعز والأبقار، ظلت تربية غنم العواس والمواشي الأخرى مزدهرة في تدمر وباديتها مزدهرة حتى اندلاع الثورة السورية عام 2011م حيث بدأ تتلاشى معظم القطعان مع هروب أعداد كبيرة من المربين ولجوئهم إلى البلدان الأخرى. وبعد نزوح أهالي تدمر عقب اجتياح داعش للمدينة انتقلت الأغنام من محيط تدمر إلى المحافظات السورية الأخرى كالحسكة والرقة ومنها ما تم تهريبه إلى البلدان المجاورة كالأردن وتركيا.
كانت رحلة الراعي عبر بادية تدمر لها طقوسها الخاصة وحول ذلك يتحدث السيد خالد الصالح أحد الرعاة من مدينة تدمر عن رحلة الرعي ويقول:” كنا نتنقل للرعي بأرجاء البادية السورية بحثا عن الأعشاب وأشهر الأماكن التي نرد إليها سطيح وجبل العمور ووادي الأحمر وأبو الفوارس والتليلة والحماد وصولا إلى الحدود العراقية…وأشهر المواشي التي كنا نرعاها غنم العواس والإبل. وصل عدد القطيع لدينا إلى 400 رأس غنم و90من الإبل. ورعي الإبل منفصل عن رعي الأغنام وأكثر تعبا، أنا كنت غالبا أرافق قطيع الأغنام. وللبدء برحلة رعي الأغنام كنت أجهز الخربوش (خيمة مصنوعة من أكياس الخيش) والشيك (سياج معدني لحماية القطيع ليلا) والصهريج الذي يتم نقله بسيارة إلى مكان قريب من المرعى. كذلك أجهز خرج الحمار الذي أضع فيه زهبة الطعام مثل خبز التنور و الجبن والزيتون والتمر والزبيب … وأحضر الربابة والشبابة والفروة وبساط , ويرافقني برحلة الرعي عادة أحد أخوتي أو إبني بالإضافة إلى الحمار والكلاب الضواري والمرياع, وأنطلق في الصباح الباكر إلى البر وأينما أجد العشب أتوقف للاستراحة وأترك الماشية تسرح وترعى بالعشب وأجلس وأحضر الشاي وأتناول الطعام و أتسلى قليلا بالعزف على الشبابة أو الربابة أو أقوم بغزل صوف من ظهر الغنم فورا حيث أدوره على غصن صغير فيصبح خيطان من الصوف , أصنع منها عقال لأربط به الحمار أو زنار لأضعه على خصري , وفكرة العقال الذي يضعه البدو على رؤوسهم جاءت من هنا حيث يحمل البدوي العقال ليعقل بها ركوبته , أو أصنع سوار يربط باليد لتساعد على شفاء الأوتار وأعصاب اليد المصابة. وعند الظهر يجب أن أورد المواشي إلى مورد المياه , فأقوم بجمعها وعملية جمع المواشي سهلة تتم من خلال ركوبي للحمار وعندما يرى المرياع أن الحمار تحرك بشكل غريزي يمشي ورائه وعندما يمشي المرياع تبدأ الأجراس المعلقة برقبته ترن , فيسمع باقي القطيع أجراس المرياع ويبدأ القطيع بالكامل بالمشي خلف المرياع, وعندما نسير وتتيه إحدى الأغنام يركض خلفها الكلاب ويعيدوها للقطيع , قبل الغروب يتم رصف الأغنام بصفين متشابكين من خلال ربطها بحبل طويل لنقوم بعملية الحلب , في حال لم تشبع الحيوانات من الأعشاب يقدم لها وجبة من الأعلاف ليتم بعدها جمعها داخل الشيك للنوم قبل حلول الظلام . وكنت أفرش البساط والفروة عادة لأنام إما داخل الخربوش في الليالي الباردة أو وسط الأغنام في الليالي الدافئة وبقربي الحمار والمرياع وتبقى الكلاب تحرسنا بالخارج وتبدأ بالنباح في حال رأت وحش ما لتحذرني من الخطر القادم فأحضر سلاحي الذي كان عبارة عن خنجر بيد ومضروب خشب بيد أخرى، وأحيانا يكون لدي بندقية صيد”.
ومن أشهر التقاليد المرتبطة بتربية المواشي في تدمر ومحيطها فكرة المرياع التي يتحدث عنها السيد محمد فهد أحد مربي الأغنام من مدينة تدمر ويقول:” عملية إنشاء المرياع تكون من خلال أخذ أحد الخراف الرضع وفصله عن أمه ويوضع له رضاعة بأسفل خرج الحمار ليرضع منها وبذلك يصبح لديه اعتقاد أن الحمار أمه، فيصبح بغريزته أن الحمار أمه ويلحق بالحمار أينما ذهب. ويترك صوفه دون جز ليعطي حجما كبير مهيبا للأغنام الأخرى، ولو كان ذكرا يتم خصيه لكيلا يفكر بالتزاوج والابتعاد عن الحمار ويعلق له أجراس برقبته ترن عندما يمشي، فيسمع باقي القطيع أجراس المرياع ويبدأ القطيع بالكامل بالمشي خلف المرياع”.